"المسيرة الطويلة" (The Long Walk): حين تكون كل خطوة رهانًا على الحياة... والموت هو جائزة الخاسرين!
يعود المخرج العبقري فرانسيس لورانس، الذي أسرنا بعوالم "The Hunger Games"، ليغوص بنا مجدداً في أعماق الديستوبيا والرعب النفسي من خلال تحفته السينمائية الجديدة "The Long Walk"، المقتبسة عن رواية للكاتب الأسطوري ستيفن كينغ، والتي كتبها في بداياته تحت اسم مستعار هو ريتشارد باكمان.
بعد مشاهدة العرض الأول للفيلم، يمكنني أن أختصر التجربة المذهلة من الدقيقة الأولى وحتى النهاية في كلمة واحدة: الكمال. فرانسيس لورانس، الذي يعتبر أحد أعظم المخرجين، قدّم في هذا العمل السينمائي إنصافاً كاملاً للرواية الأصلية، وترجم روحها المعذبة إلى الشاشة ببراعة منقطعة النظير.
من تجسيد الشخصيات وعمقها النفسي، إلى التصوير السينمائي الساحر، مروراً بقوة الحوارات وتدفق الأحداث، كل عنصر في هذا الفيلم تم نسجه بإتقان استثنائي. لو كان هذا الفيلم ورقة امتحان، لمنحته بلا تردد علامة تتجاوز 90%.
ديستوبيا مرعبة... وتناغم يولد من رحم المعاناة
قد يتساءل البعض: كيف يمكن لفيلم مدته 108 دقائق، تدور أحداثه بالكامل حول مجموعة من الشبان في مسابقة للمشي، أن يكون بهذه القوة؟ الإجابة تكمن في التفاصيل القاتلة. المشاركون ليسوا في نزهة، بل في صراع للبقاء. يتوجب عليهم السير والحفاظ على سرعة لا تقل عن 3 أميال في الساعة. إن تباطؤا، يواجهون خطر "الاستبعاد".وهنا يكمن الرعب الحقيقي؛ فالاستبعاد ليس مجرد خروج من السباق، بل هو حكم بالإعدام الفوري... رصاصة في الرأس تنهي كل شيء. هذه هي القاعدة البسيطة والمروّعة التي تحكم "المسيرة الطويلة".
على الرغم من أنني لم أقرأ الرواية الأصلية، إلا أن سحر السينما كان كافياً ليجعلني أعيش هذه التجربة بكل جوارحي. الشخصيتان الرئيسيتان، ريموند غاراتي (كوبر هوفمان) وبيتر ماكفريز (ديفيد جونسون)، قدّمتا أداءً يخطف الأنفاس. الكيمياء بينهما مذهلة، وفن الحوار الذي يتبادلانه يرقى لمستوى أولمبي ويستحق كل الثناء.
ولم يقتصر التألق على الأبطال، فالشخصيات الثانوية مثل ستيبنز، وهانك أولسون (الذي يلعب دوره ببراعة الممثل بن وانغ) كانت بمثابة لمسة فنية متقنة. شخصية أولسون، الشاب ذو الأصول الآسيوية بلكنته الأمريكية وثقته المفرطة، كانت نهايته مؤثرة وصادمة، في أداء يرفع له القبعة.
كوبر هوفمان (ريموند غاراتي): هو نجل الممثل الراحل الأسطوري فيليب سيمور هوفمان. وقد أثبت كوبر أنه ورث موهبة والده الفذة، حيث لفت الأنظار بقوة في أول أدواره الكبرى بفيلم "Licorice Pizza"، ويثبت في "The Long Walk" أنه نجم قادم بقوة.
فرانسيس لورانس (المخرج): اشتهر بإخراجه لسلسلة أفلام "The Hunger Games" (تحديداً أجزاء Catching Fire و Mockingjay)، مما يجعله خبيراً في بناء عوالم الديستوبيا التي تجمع بين النقد الاجتماعي والتشويق والإثارة. عودته لهذا النوع من الأفلام كانت بمثابة عودة الملك إلى عرشه.
صورة وصوت... تزاوج سماوي
على المستوى الفني، كان التصوير السينمائي والموسيقى التصويرية في الفيلم بمثابة "تزاوج سماوي". كل مشهد، سواء كان مشحوناً بالتوتر، أو الحزن، أو حتى لمحات من الفكاهة السوداء، تم تقديمه بصرياً بشكل يتناغم تماماً مع الموسيقى التي ألفها جيريميا فرايتس، وبصورة سينمائية أبدعها جو ويليمس.
في الختام، إذا كنتم تشتاقون للمسة فرانسيس لورانس الساحرة وإبداعه في أفلام الديستوبيا، فهذا الفيلم هو فرصتكم لإرواء هذا الشوق. "The Long Walk" ليس مجرد فيلم، بل هو تجربة عبقرية تجعلنا ممتنين لقدرتنا على مواصلة السير في حياتنا، ومواجهة مصائرنا، والتصالح مع حتمية النهاية.
"في رحلة الحياة القسرية، قد لا يكون الهدف هو الوصول، بل مجرد القدرة على اتخاذ الخطوة التالية... ففي الاستمرار وحده تكمن المقاومة"
*******
#المسيرة_الطويلة #فرانسيس_لورانس #ستيفن_كينغ #أفلام_رعب #ديستوبيا
#TheLongWalk #FrancisLawrence #StephenKing #FilemSeram #Distopia
تعليقات