"حـ ـرب المدينة": تحفة سينمائية بنكهة الماضي العتيق... حيث تشتعل نار الخيانة في زمن الحرب!
هل أنت مستعد لرحلة سينمائية تأخذك إلى حقبة مضت، حيث تتشابك أصداء المعارك مع صراعات النفس البشرية؟ فيلم "حـ ـرب المدينة" (Perang Kota) ليس مجرد فيلم، بل هو تجربة بصرية وعاطفية فريدة، تغوص بك في أعماق إندونيسيا ما بعد الاسـ تقـ ـلال، مقدمةً قصة عن الحب المحـ ـرّم والخيانة في زمن الاضطرابات.
عودة للماضي بسحر لا يقاوم
الفيلم هو اقتباس جريء للرواية الإندونيسية الأسطورية "الطريق بلا نهاية" (Jalan Tak Ada Ujung) للكاتب الكبير مختار لوبيس، والتي صدرت عام 1952 وتركت بصمة لا تُمحى في الأدب الإندونيسي. تتولى المخرجة اللامعة مولي ثريا، المعروفة بأعمالها الفنية المميزة مثل "مارلينا: القاتلة في أربعة فصول"، مهمة إحياء هذه القصة على الشاشة الكبيرة. وتحت قيادتها، يجتمع كوكبة من ألمع نجوم السينما الإندونيسية: آرييل تاتوم الساحرة، وشيكو جيريكو صاحب الحضور القوي، وجيروم كورنيا النجم الصاعد. فهل ينجح هذا الفريق الاستثنائي في تقديم عمل يليق بالمصدر الأصلي؟تجربة كلاسيكية أصيلة بكل تفاصيلها
أحد أبرز عناصر الإبهار في "حـ ـرب المدينة" هو قدرته المذهلة على محاكاة الزمن الماضي بأصالة نادرة. على عكس العديد من الأفلام التي تحاول استحضار الطابع القديم فتبدو مفتعلة، ينجح هذا الفيلم في نقلك فعلاً إلى تلك الحقبة. كل شيء هنا ينطق بالكلاسيكية: من التصوير السينمائي الذي يعتمد نسبة العرض إلى الارتفاع 4:3، مما يمنحك شعوراً وكأنك تشاهد التلفزيونات القديمة الضخمة، ويعزز الإحساس بأنك محاصر داخل القصة مع الشخصيات، إلى طريقة تحدث الأبطال، مروراً بالديكورات والأزياء والإكسسوارات التي تم الاعتناء بأدق تفاصيلها لتعكس روح العصر.
لم تتوقف عبقرية مولي ثريا عند الصورة، بل امتدت لتشمل عالم الصوت. تصميم الصوت هنا ليس مجرد خلفية، بل هو جزء حي من السرد. صوت المطر، على سبيل المثال، يتراقص بتناغم تام مع حركة الكاميرا، وألحان البيانو والكمان تبدو وكأنها تُعزف فعلاً في نفس المكان الذي تتواجد فيه الشخصيات، بعيدة وهامسة، مما يضفي عمقاً وواقعية لا مثيل لهما.
صراع الجسد والروح: بين لهيب المعارك ونار الخيانة
تدور أحداث الفيلم حول "إيسا" (شيكو جيريكو)، ونضاله في فترة ما بعد استـ قـ ـلال إندونيسيا، وهي فترة مليئة بالاضطرابات والبحث عن الهوية. لكن الحرب الخارجية ليست سوى خلفية لحرب أخرى أكثر ضراوة تدور رحاها في النفوس. يأخذنا الفيلم في رحلة عميقة لاستكشاف الصراعات الداخلية لكل شخصية.تُشعل قصة الخيانة بين "فاطمة" (آرييل تاتول) و"هازيل" (جيروم كورنيا) فتيل التوتر والغضب، وهي تشبه قصص الخيانة في الأفلام المعاصرة، لكنها هنا مغلفة بعبق الماضي، مما يمنحها حدة وتأثيراً مضاعفاً يجعل المشاهد يشعر بغليان داخلي.
أما على صعيد الحرب الحقيقية، فيجب على أصحاب القلوب الضـ ـعيـ ـفة توخـ ـي الحـ ـذر! الفيلم لا يتردد في عرض مشاهد عـ نـ ـف قاسـ ـية وصـ ـادمـ ـة، من آثار طلقات الـ ـرصـ ـاص إلى مشاهد الضـــ ـرب المــ ـبرح. لذا، كن مستعداً نفسياً لتجربة قد تكون عنــ ـيفـ ـة بصرياً.
جرأة الطرح ونهاية تثير الجدل
رغم أن "حرب المدينة" تحفة فنية بصرية وسردية، إلا أنه ليـ ـس فيلـ ـماً مناسـ ـباً للمشـ ـاهدة العـ ـائلـ ـية. يحتوي الفيلم على عدة مشاهد حمـ يمـ ـية جريـ ـئة، ورغم أنها لا تُظهر كل شيء بشكل صريح، إلا أن حركات الأجساد ونظرات العيون تكفي لإيصال المقصود بوضوح، مما يتطلب وعي المشاهد بتصنيف الفيلم.
ومع كل هذه العناصر المتقنة والتفاصيل الدقيقة، تأتي النهاية لتترك الكثيرين في حيرة! لا يمكن وصفها بالسيئة، لكنها من النوع الذي يفتح أبواباً كثيرة للتساؤلات دون أن يقدم إجابات شافية. قد يروق هذا الأسلوب للبعض، خاصة أولئك الذين يستمتعون بتحليل الأفلام ومناقشتها بعد المشاهدة، حيث تترك النهاية مساحة واسعة للتأويل. لكن بالنسبة لمن يفضلون النهايات الواضحة والمُرضية، قد تبدو نهاية "حرب المدينة" محبطة بعض الشيء وتفتقر إلى "الضربة القاضية" التي تترك أثراً نهائياً.
"حيث تتشابك أصداء الرصـ ـاص مع همسات الخيانة، وتتحطم القلوب في مدينة أنهكتها الحـ ـرب"